contenu de la page

زيارة لبيتك

أعي جيدًا أن ليس الجميع بمقدور أن يرى ما رأيتهُ. أو يفتح عينيّه فيجد نفسهُ في الأمكنة التي كنت فيها لا يصل الجميع إلى هنآك و لا تسع جميع الأقدام أن تطأ تلك الزوايآ وأن تشمّ ذلك العِبق والرائحة! خمسة عشر يومًا. كانت بمثابة حلمٍ بالنسبة لِي. كما لو أنني عشت حلما عميقا غُمست فيه روُحي ... وذقت معانيَ ساميّة. 

من أولِ يومِ حطّت بنا تلك الطائرة الضخمة وأنا واجلة منبهرة بذلك الجوّ الروحاني، جميع الجموع تسير إلى نقطةِ واحدة… نحو الله تربط القلوُب ترى العيوُن الدّامعة والاحمرار الذي يعتليهاَ، وصدق الدعوات و الابتهالات التي تتصاعد رويدًا رويدًا إلى السماءِ. نسمات و برودة جوّ المدينة المنوّره و صورتها وهي ملّتفة بأضوائهاَ تحت ضبابِ الفجرٍ تجعل قلبك يتشبع بعبق الرّسوُل و كيف لاَ ؟! وانت تشعر أنه على مقربة منك..

لا يَبعدُ عنك سوى سُنتيمترآت .. تحت قبّته الخضراء المقدّسة وكل الوجوه متطلّعة إليّها. تدخل المسجد تستمع لأصوات تلاوات القرآن ومختلف اللغّات حولك و الجموع الغفيرة من شتى الشعوُب، كلّها إلى الله تبتهلّ ! تصلّي تحت وقعٍ صوتِ شجيّ رخيم يأسر الأنفاس … فيرفرف بروحك حتى السماءِ السّابعة !

في يوم الزيارة لسيدنا محمد صلّى الله عليهِ وسلم … أي رهبة تلك ! رَسوُلي الذي كنت أقرأ عنه في الكُتب , رسوُلي الذي لطالما كان يحدّثني عنه ربّي من خلال حروفه .

تتضا

رب نبضات قلبي .. تخفق بشدّة وأنا اسمع مرارًا هنا قبرُ الرّسول ! هنا قبر نبيّنآ

محظوظُ هو ! تُرفع الأكفّ متناغمة… ربنا واجمعنا به، أُودّع الرّسول وقلبي يعتصرْ … أراه من بعيد، أبتعِد عنه ويبتعد! لكنه لا يزال كامنًا قابعا في فؤادي. تفيض العيون بالعبرَات ..
تتلهف القلوب لرؤية المزيد .. نستقلّ الحافلة نخطّ الطريق نحو وجهتنا التاليّة … ” لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك ” تتردد على مسامعك مرارًا مدوية” إن الحمد و النعمة لكَ والملك ” .. ترسم ابتسامات الرّضى على الوجوه ,” لا شريك لكَ “

تضطرب أنفاسنا تطالعنا السّاعة الخضراء من بعيد في ظلمة منتصف الليّل … فينزل الجميع ليُكمل الفصل الثاني من رحلتهِ .

اينما لوّ

حت بعينك ترى المناشف البيضاء و الوجوُه تبيضّ معها ! تعابير الشغف رغم الإرهاق بادية على قسمات الجميع ...لكن من يبالي ! نحو الكعبة لاجئين.. نلمحها من بعيد ! تشرأبّ الأعناق ” الله اكبر، الله أكبر، الله أكبر ” .. تلك الخطوط الذهبيّة المرسومة باحترافية بالغة على تلك الكسوة السوداء ما عدى صورة على شاشة تلفاز ، أصبح واقعًا اتلمّسه بيداي .. امررّ اصابعي فوقه . 

اتحسسّ رائحته تتسللّ وتغمر عروقي ! اطوف بالكعبة وأنا مثل الصغيرة التي لمحت الضوء لأول مرّة! لا تعي ما حولها، أطوف برتابة كما يفعل الجميع … نرقب الحجر الأسود ! ” ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار “ 

اتقدم نحو مقام ابراهيم … أتحسس ذلك الزجاج الذي يعزلنا عن أثر وقع أقدام سيّدنا ابراهيم ! فنصلّي ركعتين خلفه و نرتوي من ماء زمزم … تنزل الجرعات في جعبتي باردة .. كبرودة جسدي ودهشتي من ما تراه عينايّ .. تتقدم خطواتنا نحو الصفى و المروه .. سبعة أشواطٍ كاملة ! ” إن الصفا و المروة من شَعائرِ اللّه . فَمن حجّ البيتَ أو اعتَمرَ فلا جناَح عليه أن طوّف بهمَا ومن تطوّع خيرًا فإنّ للهَ شاكرُ عَلِيمُ ” . يتزلزل المسعى بكلمات المعتمرّين و الدعوات

و الابتهالَات .. كلّ ما افضى له قلبه تنتهي العمرة بعد أن يفكّ الإحرام و رائحة البخور تستولي على المكان …

الحمد الله الذي رزقني زيارة بيته و دعاني لقربه ويسّرني لرؤية مشاهد أسرت قلبي .. احمد الله على ابٍ لن اعثر على مثيل له على وجه الأرض . وأسأل الله تجربة كهذه لجميع المسلمين بل المؤمنين ليشعر بها قلبًا وقالبًا .

 

 

تعليق واحد

  1. جميلة جدا